برغم الدور فائق الأهمية الي تقوم به البنوك في الحياة الاقتصادية، إلا أنها قد واجهت بعض المشاكل في الدول الإسلامية؛ نظرًا لنهي الإسلام عن التعامل بالربا. ورغم ظهور بعض الآراء التبريرية التي تجيز التعامل مع البنوك الربوية، بحجة المصلحة، وأن الضرورات تبيح المحظورات، إلا أنه كان لا بد من إيجاد بديل يكون مباحًا إباحة شرعية، وقيام مؤسسة تتبرأ من التعامل بالربا التي تمحق المال، وتنزع البركة، وهكذا نشأت البنوك الإسلامية التي سنتحدث في هذا الكتاب عن كل ما يتعلق بها؛ ماهيتها، وكيفية نشأتها، وطريقة عملها، وكيفية مساهمتها في التنمية الاقتصادية.
يُظهِر الواقع ما تتعرض له البنوك الربوية من مخاطر وفشل في أداء مهامها؛ فآفة الربا إذا أصابت الاقتصاد؛ فإنها تنتشر فيه كانتشار السرطان في جسم الإنسان، وكما عجز الأطباء عن علاج السرطان؛ فإن رجال الاقتصاد قد عجزوا عن علاج بلايا الربا، على الرغم من قيامهم بالكثير من الإصلاحات الاقتصادية خاصةً على مستوى الجهاز المصرفي، ولذلك كان لا بد من القضاء على الربا، وإيجاد أساليب تمويلية شرعية، وهكذا تم التفكير في إنشاء البنوك اللاربوية أو البنوك الإسلامية، وهي البنوك التي تعمل وفقًا للشريعة الإسلامية، ولقد لاقت هذه البنوك قبولًا كبيرًا لدى المسلمين، خاصةً وأن كثيرًا منهم كان يمتنع عن التعامل مع البنوك؛ لحرمة الربا، مما كان يؤدي لانخفاض نسب الادخار في البلاد الإسلامية عن المستوى المطلوب لتحقيق التنمية الاقتصادية. والبنوك الإسلامية بنوك شاملة بطبيعتها، تقوم على علاقة الشراكة بدلًا من علاقة الدين؛ فهي ترفض ضمان رأس المال، أو تثبيت الربح، وهي تقوم على علاقة المتاجرة بدلًا من المقامرة؛ فهي ترفض بيع الوهم، وتشترط وجود الأصل عند التعاقد، وتستثمر في المشاريع الحلال؛ لذلك تُعتَبَر البنوك الإسلامية منفذ لتعويض ما تتعرض له المصرفية المعاصرة من الفشل والمخاطر، ووسيلة للانطلاق نحو آفاق عالية من الاستثمار والتنمية والربح.
ولقد مرت البنوك الإسلامية بعدة مراحل؛ ففي البداية، ظهرت في صورة شركة معاملات إسلامية أنشأها الإخوان المسلمين في (مصر ) خلال الأربعينيات، ولقد قامت تلك الشركة على أسس معينة، مثل عدم التعامل بالربا أخذًا وعطاءً، والربح القليل، وعدم الاحتكار والاستغلال، والحرص على التعامل مع المسلمين، والتركيز على مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإيتاء زكاة المال، ولكن - للأسف - تم إنهاء هذه التجربة بواسطة القوانين الاشتراكية؛ حيث صودرت بدون تعويض أصحابها. أما المرحلة الثانية فكانت تجربة "بنوك الإدخار المحلية " التي انشأها الدكتور (أحمد النجار ) في (مصر ) عام 1963م، ولقد قامت هذه البنوك بتجميع المدخرات من صغار الفلاحين والعمال في أماكن تواجدهم بقرى الريف، بمقابل صغير، وبوسائل بسيطة تناسب وعيهم وثقافتهم ويتحقق معها تجاوبهم، ولقد حققت تلك التجربة نجاحًا كبيرًا؛ فخلال أربع سنوات تضاعف عدد المدخرين أربعة عشر مرة، وتضاعفت الأموال المودعة بأكثر من أربعة وأربعين مرة، ولكن بالرغم من ما حققته تلك البنوك من نجاح، إلا أنها لم تستمر سوى لأربع سنوات، وذلك لعدة أسباب سياسية واقتصادية وإدارية.
وبعد أربع سنوات من انتهاء تجربة بنوك الإدخار المحلية، وتغير الظروف السياسية القائمة في مصر، ظهر أول بنك قائم على أسس إسلامية، وهو "بنك ناصر الاجتماعي " الذي أُنشيء عام 1971م، وباشر أعماله عام 1973م، ثم كانت موافقة مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية - المنعقد في 1974م - على إنشاء "البنك الإسلامي للتنمية " نقطة انطلاق حقيقية للبنوك الإسلامية؛ فمنذ ذلك الوقت، والبنوك الإسلامية في تزايد مستمر حتى وصل عددها للمئات، بالإضافة إلى الفروع الإسلامية للبنوك الربوية. وهناك عدة أشكال للمصارف الإسلامية؛ فهناك مصارف إسلامية خاضعة للقوانين المصرفية التقليدية، مثل "المصرف الإسلامي الدولي " في (الدنمارك )، وتحاول هذه المصارف التوفيق بين أحكام الشريعة الإسلامية من جهة، وبين القوانين واللوائح الصادرة من السلطات المحلية الرسمية من جهة أخرى، كما توجد المصارف الإسلامية العاملة في بيئة مصرفية مختلطة؛ حيث تكون مزيج بين المصارف التقليدية الربوية والمصارف الإسلامية، مثل "بنك فيصل الإسلامي "، وهناك المصارف الإسلامية العاملة في بيئة مصرفية إسلامية نقية، وتنتشر هذه المصارف في الدول التي يُحَرَم فيها ممارسة النشاط المصرفي الربوي، مثل المصارف الإسلامية الإيرانية والباكستانية، وهناك أيضًا فروع المعاملات الإسلامية للمصارف الربوية، ولجوء المصارف الربوية لفتح هذه الفروع يدل على مدى نجاح البنوك الإسلامية، ومدى رغبة الناس في التعامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
هناك عدة موارد لأموال البنوك الإسلامية، منها ما هو قصير الأجل، ومنها ما هو متوسط وطويل الأجل. والموارد قصيرة الأجل مثل "الودائع الادخارية "، وهي - غالبًا - ودائع صغيرة يُعطَي صاحبها بموجبها دفتر توفير يقيد فيه إيداعاته وسحوباته، ويَحِق له سحب بعض أو كل رصيده في أي وقت شاء، وتعطي المصارف التقليدية على هذا النوع من الودائع نسبة ثابتة من الفائدة، في حين يعرض المصرف الإسلامي على المودع ثلاثة اختيارات، وهي إما أن يودع أمواله في حساب استثمار بالمشاركة في الأرباح، أو أن يودع جزءًا من أمواله في حساب استثمار، ويترك الجزء الآخر للسحب منه عند الاحتياج، أو أن يودع أمواله بدون أرباح مع ضمان أصلها، والأرباح التي يحصل عليها صاحب حساب الاستثمار هي نتيجة أن المعاملة بينه وبين المصرف أصبحت تأخذ حكم "المضاربة " و"المضاربة " هي عقد بين شخصين، يقدم أحدهما بموجبه مالًا إلى الآخر؛ ليتجر فيه بنصيب من الربح، وهكذا فالبنك يستثمر أو يتاجر بأموال العميل، ويعطيه نصيبه من أرباح المشروع. ومن الموارد قصيرة الأجل أيضًا "الودائع الإسلامية "، وهي الودائع التي يضعها أصحابها في المصرف الإسلامي بقصد المشاركة في تمويل عمليات استثمارية، ويعد هذا أهم وأكبر مصدر من مصادر أموال المصرف الإسلامي، وتنقسم الودائع الإسلامية إلى نوعين: "ودائع مع التفويض "، وفيها يحول المودع أمواله للمصرف ليستثمرها في أي مشروع، مع منح المودع نصيبه من الأرباح، ويُسَمَي هذا النوع بـِِِِِ"المضاربة المطلقة "، أما النوع الثاني؛ فهو "ودائع دون تفويض "، وفيه يختار المودع المشروع الذي يرغب باستثمار أمواله فيه، ويأخذ أرباحه من عوائد هذا المشروع، ويُسَمَي هذا النوع بـِِِِِ"المضاربة المقيدة ". وهناك مورد آخر من الموارد قصيرة الأجل، وهو "شهادات الإدخار الإسلامية "، وهي عبارة عن ورقة مالية تمثل حصة يشارك بها العميل مع المصرف، وتستحق نصيبًا من الأرباح التي يحققها المصرف.
وحتى يحقق البنك الإسلامي التوازن المطلوب في معاملاته؛ فإنه يحتاج بجانب الموارد قصيرة الأجل إلى موارد متوسطة وطويلة الأجل؛ لتعبئة الفوائض المالية لدى الأفراد والمؤسسات لأجل غير قصير، ومن ضمن هذه الموارد "شهادات الإيداع الإسلامية "، وهي شهادات لا ترتبط بمشروع أو نشاط معين، ولذلك يستطيع المصرف أن يستثمر أموالها في مختلف الأنشطة والمجالات التي يقررها. وهناك أيضًا "شهادات الاستثمار الإسلامية " التي يستخدمها المصرف في تلبية طلبات تمويل المشاريع، وتنقسم تلك الشهادات إلى نوعين: أولا "شهادات استثمار في مشروع معين "، وهي شهادات غير محددة المدة؛ حيث تستمر من بداية المشروع، وحتى نهايته، أما النوع الثاني؛ فهو "شهادات استثمار لمجال معين "، وهي تستمر لمدة تتراوح بين 3 و 5 سنوات، وتقوم تلك الشهادات بتمويل مجال من مجالات الاقتصاد الوطني، مثل إستصلاح الأراضي، أو المشروعات الصناعية، أو غير ذلك، ويتوقف عائد هذه الشهادات على ما تحققه تلك المشروعات من أرباح. وبجانب الموارد السابقة؛ فهناك رأس مال المصرف الذي يُعَد مصدرًا داخليًا ثابتًا للأموال، وهو يتكون من الأموال التي حصل عليها المصرف من المساهمين فيه، عند بداية تأسيسه؛ أي أموال مالكيه، وأصحاب الحصص فيه، هذا بالإضافة إلى أموال الهبات والنذور والصدقات، سواء الصدقات الواجبة كالزكاة، أو غير الواجبة كصدقات التطوع. وكل تلك الموارد تساعد المصرف الإسلامي على أداء دوره الذي يطمح إليه في خدمة المجتمع الإسلامي.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان